في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورات جيوسياسية واضطرابات أمنية في مناطق عدة، وفي ظل حروب تجارية وعقوبات على إيران روحاني وصلاحيات الحرب اقتصادية متنوعة ومتبادلة، يلاحظ أن نشاط «بنوك الظل» يزداد حجماً واتساعاص، ويزداد معه قلق المستثمرين من مخاطر نتائج العمليات التي تتم بهذه البنوك، وما توفره من أسباب لحدوث أزمات مالية ومصرفية متتالية تهدد الاقتصاد العالمي، وكأن رجال المال والأعمال والخبراء وكبار المسؤولين الاقتصاديين، وحتى القادة السياسيين، لم يتعلموا من دروس نتائج الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية عام 2008، في أعقاب انهيار «ليمان براذرز»، وانتشرت تداعياتها السلبية التي لا تزال مستمرة في مختلف دول العالم.
في الواقع، يرمز«الظل المصرفي» إلى واحد من الإخفاقات الكثيرة التي شابت النظام المالي العالمي، ويطلق عليه الاقتصادي بول مكالي «بؤرة أميركية» بصفة متمايزة. ووفق تعريف وضعه مجلس الاستقرار المالي (منظمة مؤلفة من السلطات المالية والرقابية من اقتصادات ذات ثقل عالمي كبير)، فهو يشمل جميع الكيانات التي تقع خارج نطاق النظام المصرفي الخاضع للتنظيم. وتؤدي «بنوك الظل» الوظيفة الرئيسية للوساطة الائتمانية التي تتمثل بالآتي: تحويل آجال الاستحقاق بالحصول على أموال قصيرة الأجل للاستثمار في أصول أطول أجلاً، تحويل السيولة باستخدام خصوم شبه نقدية لشراء أصول يكون بيعها أصعب كالقروض مثلاً، الرفع المالي باستخدام أساليب مثل اقتراض أموال لشراء أصول ثابتة لزيادة المكاسب (أو الخسائر) المحتملة لأي استثمار، نقل مخاطر الائتمان بتحمل مخاطر عجز أحد المقترضين على السداد ونقلها من منشئ القرض إلى طرف آخر.
وتبقى المشكلة حاضرة للانفجار، عندما يريد بعض المستثمرين استعادة أموالهم خلال فترة قصيرة واستثمارها في أصول ذات استحقاقات أطول. وهذا ما حصل أثناء الأزمة المالية العالمية، حين أصبح المستثمرون قلقين بشأن القيمة الحقيقية لتلك الأصول الأطول أجلاً وقرر عدد كبير منهم سحب أموالهم فوراً.
وعلى الرغم من أن نظام «الظل المصرفي» يتخذ أشكالاً بالغة الاختلاف عبر البلدان وداخلها، فإن نموه يرتكز على بعض العوامل الدافعة الرئيسية التي يشترك فيها الجميع، فغالباً ما يكون تشديد التنظيم المصرفي ووفرة السيولة، بالإضافة إلى الطلب من المؤسسات الاستثمارية، حافزاً للأنشطة غير المصرفية. ولا تزال البيئة المالية الحالية في الاقتصادات المتطورة حافزاً لنموها.
ووفق تقرير لصندوق النقد الدولي، ارتفع حجم صيرفة الظل بنحو33 تريليون دولار بين عامي 2002 و2007 ليبلغ نحو 50 تريليون دولار، ثم انخفض نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية إلى نحو47 تريليون دولار، لكنه سجل تحسناً تدريجياً في السنوات التالية مستعيداً نشاطه السابق، وبلغ67 تريليوناً عام 2012. وشهد في السنوات الأخيرة تحسناً متنوعاً في عملياته، ولكن لوحظ تراجعه في الولايات المتحدة، مقابل توسعه في أوروبا بحجم تجاوز 24 تريليون دولار. أما في روسيا، فقد بلغ حجم اقتصاد الظل (وفق تقرير هيئة الرقابة المالية لوزارة الداخلية) نحو 20 تريليون روبل لعام 2018، ويعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى رغم أنه تراجع من 28,3 في المئة عام 2016، فهو لا يزال أكبر من إجمالي نفقات الميزانية الفيدرالية المقررة للعام الحالي بقيمة 18 تريليون روبل. مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام تبدو أقل من تقديرات صندوق النقد الدولي التي تزيد عن 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية